BACK       عودة


( رسائل الحب والحرب )
قصيدة تلفزيونية ونواة تجديد للدراما السورية

لم يقترف حرف من حروف اللغة العربية ذنباً عظيماً كالذي اقترفه حرف الراء فقد فصل بين أجمل حرفين، فجلس مستريحاً مطمئن البال بين الحاء والباء حتى أصبح حبنا حرباً وأصبحت حربنا حباً.

ولم يقترف مخرجاً ذنباً كالذي اقترفه باسل الخطيب، فقد اسقط ورقة التوت عما عداه من المخرجين، فبانت عورتهم في الشهر الفضيل، عندما أهدى للدراما السورية (رسائل الحب والحرب) وكأني به كان ينتظر هذه الرواية التلفزيونية منذ سنين ليثبت مرة أخرى أنه المخرج الوحيد القادر على كتابة الشعر بالكاميرا حيث ظل وفياً لأسلوبه ومدرسته في الإخراج التلفزيوني فهو يتعامل مع كل مشهد كما يتأمل العاشق مع محبوبته. إنه من المخرجين السوريين النادرين القادرين على قراءة المشهد بشكل مدهش فيضيف إليه ما عجز خيال الكاتب عن إضافته ، وعند باسل الخطيب لا يمر مشهد بالمجان فيرفع المشاهد ليرتقي بذائقته لكي لا يبقى أسير(الحدوتة). إنه المخرج الذي يجبرك على تحريك مياه الذهن الراكدة وإلا فلن تستطيع الاستمتاع بإيحاءات المشهد وبالتالي المسلسل بكامله .

إن هذا المسلسل بالفعل أجمل ما كتبت ريم حنا لا يعاني إلا من ثغرات بسيطة كانت في بدايته سرعان ما تجاوزتها ولا أدري لماذا نحن نتقن الحرب أكثر من الحب؟ فقد جاءت رسائل الحرب قوية وقاسية ومؤثرة حيث الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، ثم حصار بيروت ثم مذابح صبرا وشاتيلا ،وألوف الضحايا قتلاً وذبحاً بالفؤوس.كان ذلك من خلال شخصيات تتحرك دون تكلف وضمن تسلسل أكثر منطقي لمسارها منذ بداية العمل حيث استطاعت الكاتبة الإمساك جيداً بها، فلا تكاد تهرب أي شخصية من بين أصابعها ،هذا يدلل على وجود كاتبة تكتب تحت شرط وحيد هو شرط الإبداع وليس شرط الإنتاج وهذا الأخير هو التبرير الجاهز للفاشلين لكي يبرروا هذا الفشل. بالتأكيد (رسائل الحب والحرب) هو أفضل إنتاج سوري في هذا الموسم، وقد حمى الدراما السورية من السقوط وأعتقد أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى مسلسلات كهذه فقد ملّ المشاهد من الأعمال الذي يطلق عليها اسم الأعمال الاجتماعية المعاصرة لأنها تراوح في مكانها باستثناء تجربة هنا وأخرى هناك ، لقد ادخل هذا العمل الدراما السورية مرحلة يجب ألا تتراجع عنها ، وهي مرحلة الضغط على الجراح ومرحلة إيقاظ الأحلام الكبرى التي داستها دون رحمة أحذية العولمة الخسيسة فأغنية أم كلثوم (أصبح عندي الآن بندقية إلى فلسطين خذوني معكم) أراد باسل الخطيب من خلالها وخز النائمين ففجرت في نفوسنا أحاسيس كدنا ننساها.

في (رسائل الحب والحرب) قطعت سلاف فواخرجي شوطاً جديداً في طريق اكتشاف الكنز الذي تملكه من الأداء العالي الذي بدأته منذ عامين فهي تحت إدارة المخرج باسل الخطيب ممثلة من طراز مختلف تلعب الشخصية بحواسها الخمس، كما أثبت سلوم حداد أنه من طينة الممثلين الكبار وكان هذا العمل درة تعاونه مع المخرج باسل الخطيب ونتمنى أن يستمر وألا تنقطع أسبابه.

نضال نجم أضاف صفحة جديدة إلى كتابه وأثبت أنه يملك طاقة فريدة فهو واحد من أهم الممثلين الشباب في الدراما السورية. (رسائل الحب والحرب) مسلسل مهم مشغول بدقة ، فعندما يجتمع السيناريو المكتوب بعناية والمخرج المبدع والظرف الإنتاجي الجيد لابد أن نقرأ بمتعة (رسائل الحب والحرب). إنه شكل واقتراح فني وبصري جديد وهو من الأعمال القليلة التي نرى فيها اندماجاً واضحاً بين الممثل والحدث ونتوقع أن يكون نواة تجديد للدراما السورية في المرحلة المقبلة .

محمد أمين ( جريدة الوطن 10- 10 – 2007 )