BACK       عودة


باسل الخطيب : عالم الشاعر بلغة تقارب شفافية القصيدة

باسل الخطيب هو من المخرجين القلائل في الدراما السورية ممن يبحثون عن صوتهم الخاص وعن أشكال فنية مغايرة،تتسم أعماله بهوية مميزة تسهل معرفتها، فهاجسه الفرادى والتجديد. قدم الكثير من الأعمال التي لاقت نجاحاً واسعاً وحضوراً محبباً ( الطويبي ، ذي قار، هولاكو، نساء صغيرات، هوى بحري، أيام الغضب، جواد الليل، حنين، الخريف، أنشودة المطر،عائد إلى حيفا، أبو زيد الهلالي). وسواها، وأنجز أيضا بعض الأفلام السينمائية والتلفزيونية مثل( الرؤية الأخيرة، جليلة، الأسوار، قيامة مدينة، مسارات النور، الحركة الخامسة ) وغيرها ..إضافة إلى فيلمه الروائي الطويل ( الرسالة الأخيرة ) الذي اعتبره نقاد مصريون فيلم (الأرض ) السوري في إشارة إلى اقترابه فنياً من رائعة الأرض ليوسف شاهين . يعمل باسل الخطيب حالياً على مسلسل يتناول حياة نزار قباني، ورغم حرصه الشديد على كل تفصيل، يقر بأن العمل سيثير وجهات نظر متباينة،ذلك أن نزار هو شاعر إشكالي . فيما يلي حوار معه حول المسلسل:

* لماذا اخترت نزار قباني؟
- هناك أكثر من مستوى للإجابة، وكلها تتقاطع باتجاه هدف واحد ورئيسي .أولاً أرى أن الدراما السورية وصلت إلى مفترق طرق وصار الرهان عليها والتحدي الكبير لها يعتمدان على جدة أو جدية المواضيع المختارة . أصبح البحث عن شكل ومضمون جديدين مطلباً أساسياً لكي تخرج الدراما السورية من غرفة الإنعاش التي دخلتها في السنوات الأخيرة . من هنا كان التوجه نحو تناول شخصيات عربية كان لها تأثير واضح وكبير في الوعي ، والثقافة ،والوجدان العربي . السبب الآخر هو أنني أحب الشعر كثيراً، لأنه يعبر عن ضميرالشعوب ويساهم في تشكيل الهوية الحضارية، وباختيارنا نزار قباني ربما نعيد بعض الاعتبار للشعر العربي وخصوصاً الرومانسي منه ،ونحن نعلم أن نزار كشاعر ومبدع، هو أكبر من أي تكريم أو فيلم أو مسلسل، نحن لا نهدف إلى توثيق حياته، بل إل‍ى تقديم نوع من السيرة الإبداعية لهذا الشاعر من خلال تسليط الضوء على بعض المحطات المهمة التي شكلت رؤيته كشاعر ،وعبر التركيز على علاقاته مع شخصيات لعبت دوراّ في حياته .

* كونك ابن الشاعر الفلسطيني الكبير يوسف الخطيب،ألم يسهم ذلك في الاختيار؟
- تأثير والدي العميق يكمن في انه جعلني أحب الشعر ،وخلق لدي حب القراءة ،ودفعني إلى حب الموسيقى والفن التشكيلي ، والى رؤية الحياة من زاوية مختلفة ، والدي رجل عاش حياة طويلة وشاقة وخرج منها بمجموعة من الخلاصات أثرت على رؤيتي ومواقفي وخياراتي.

* ورثة نزار قباني اعترضوا على تصوير المسلسل،هل توصلتم معهم إلى تسوية معينة ؟
- لاأرغب بالحديث عن هذا الموضوع ، ليس من مصلحتنا كفريق عمل ولا من مصلحة ورثة نزار قباني كذلك، أن يثار أي لغط حول مسلسل يتحدث عن شاعر له مكانة بارزة ، على كل حال ، القضاء ينظر في الأمر ، وأتصور أن النتيجة ستكون عادلة . المؤكد أننا نتناول حياة شاعر بكل حب واحترام ، والنوايا التي تدفعنا تجاه هذا العمل حسنة بالتأكيد، آمل أن ينتهي الإشكال بالتفاهم، فنزار قباني ليس شخصاً موضع مساومة ، وهو بتراثه الشعري ليس ملكاً لأسرته فحسب،.بل لكل مواطن عربي ،وثمة جملة مؤثرة سمعناها من سيدة تفيد في هذا السياق ، فمنذ فترة كنا نستطلع بعض البيوت الدمشقية للتصوير، وحين سألنا إحدى السيدات الدمشقيات بأننا سنختار بيتها للتصوير على أنه بيت نزار قباني ،ردت بالقول: ليس فقط بيتي ، كل بيوت الشام هي لنزار قباني.

* باختيارك نزار قباني تبدو كأنك خرقت القاعدة التي تقول إن الدراما السورية تعود إلى التاريخ العربي البعيد وتختار الأبطال والقادة البارزين لتحرك، ربما، بحيرة الواقع العربي الراكدة ، أنت على عكس ذلك ، عدت إلى الماضي القريب واخترت شاعراً رومانسياً حالماً يتغنى بالحب ، ولا يصلح لأن يكون نموذجاً قادراً على التحريض؟

- لكل مخرج صوته الخاص ، ومن دونه لا يتحقق جوهر الفن والإبداع ،وإلا تحول الفنان إلى مجرد رقم يغني ضمن جوقة كبيرة وصوته غير مسموع أو مؤثر. أنا أسعى ، في كل ماأقدمه، إلى عدم التكرار، ثمة روح واحدة تجمع هذه الأعمال ، لكن الموضوع ،والشكل مختلفان ،أنا حريص على التنويع والتجديد وعدم الدوران في الحلقة المفرغة ،التي وقع فيها الكثير من المخرجين ، الأمر الآخر هو أنه لا يمكن أن يتحقق أي شئ في الحياة من دون حب، فعلى رغم قسوة أو وحشية أو مرارة هذا الواقع الذي نعيشه ،إلا أن الحب يبقى القيمة الايجابية الأكثر ضرورة وإلحاحا.

* ما لذي لفت انتباهك في شخصية نزار قباني؟
- أحببت علاقته الصادقة بعمله ،نقول دائماً إن ثمة اختلافاً وتعارضاً بين الفنان وبين إبداعه، في حالة نزار قباني نحن أمام نموذج آلف بين القول والممارسة، كان الشعر كل حياته، يعيشه، يحلم به ، يقدسه ، هو نموذج لشاعر انصهر مع تجربته الشعرية، وهذا ما أؤكد عليه في المسلسل ، بمعنى آخر أحاول أن أبين إلى أي درجة يمكن أن يتحول الإبداع لحظة حياتية معاشة ومؤثرة ، كان نزار متمرداً بلا صخب ، ومحارباً شرساً مع قدر كبير من الرحمة ، كان يتمتع بحنان عاصف .

* كيف تعاملت مع السيناريو وهل أخذت في الاعتبار انتقادات قد يوجهها لك من عاش مع الشاعر، فتاريخه لم يطو بعد ،وقصيدته لم تزل فاعلة في الوطن العربي ؟
- أنا على يقين بأنه مهما حاولنا وسعينا لانجاز العمل على أتم شكل ممكن ، فسوف نسمع الكثير من التعليقات والانتقادات . هذا شئ طبيعي ، فأي عمل فني بهذا المستوى بهذا المضمون الإشكالي سيثير وجهات نظر متباينة ،أؤكد مجدداً أنني لا أسعى إلى تقديم سرد موثق لحياة الشاعر، بقدر ما أريد تقديم قصيدة بصرية شفافة، نقارب من خلالها قدر الإمكان عالم نزار الشعري الغني، وبالتالي الهدف الصعب هو إل‍ى أية درجة يمكن للصورة التلفزيونية أن تكون قريبة من الصورة الشعرية .

إبراهيم حاج عبدي ( جريدة الحياة 10 – 7 – 2005 )